2009/11/03

العشاء الاخير


الابخره تتصاعد من تلك النافذه الخلفيه فى البيت القديم
معلنه عن وجبه عشاء فى بيت لا يدخل احد فيه المطبخ بعد السابعه مساء
فتلك قواعد ذلك البيت
الذى اقل ما ان يوصف به انه بيت محافظ جدا
ولا اجد غصاصه فى وصفه بالرجعى
بيت كله قواعد وخوف لدرجه الرهاب من كسرها
وذلك بسبب صاحبه
الاستاذ احمد او الحاج احمد بعد عودته من السعوديه
ولم يخرج حدود هذا المنزل الا شخص واحد
انه وليد
ذلك الشاب البالغ من العمر 26 عام
خرج عن القواعد
ليس قواعد البيت فحسب
بل قواعد المجتمع كله
فكانت النتيجه
طرده خارج البيت
وكانه موبوء
واليوم
وليد مسافر
ويريد ان يسلم على اخته
وامه
والميعاد فى تمام الثامنه
فالطائره فى الساعه 11 مساءا






"لن اعود يا كاتى"
قالها وليد لقطه الصغير وهو يضعه فى قفص
وينزل به الى سيارته وقد حضر كل  شيئ
ويسلم المفتاح لحارس العماره
_هتوحشنى يا استاذ وليد
_ولا يهمك يا عم عمران
_والله كل اهل العماره زعلانين انك ماشى
_ ياعم عمران انت عارف ان ده كلام
_لا يا استاذ وليد
_مش مهم يا عم عمران
_متزعلش ياولدى
_اوك  انا ماشى
_سلام يابنى وربنا يهديك

ويعطيه وليد مبلغ كبير بقشيش له
ولعل هذا البقشيش هو ما يمنع عمران من ان ينضم لباقى سكان العماره





السماء تمطر بغزاره
ورغم ان وليد داخل سيارته الا ان خدوده كانت مبلله
ولكنها بدموع المراره
لكلام عمران
تذكر اهل العماره
الذين نبذوه
وبدؤا يعاملوه على انه شيئ حقير
منذ ان جاء والده الى سكنه الجديد
بعد ان ترك شقه خاله
وتعالى صوته
ولعنه الف لعته
لانه مثلى
ولا يريد ان بذهب لطبيب
او ان يتزوج
ومن يومها والعماره
تتحاشاه
وتتهامس عليه
على امل ان يرحل
وهاهو قد رحل
ولن يعود
"مصر كلها عاوزانى امشى ياكاتى"
يقولها لقطه الصغير الذى وقف على قدميه الخلفيتين ليحملق فى السماء التى تنهمر بالامطار







"خالو جه يا ماما"
يقولها وليد لامه نوال
اخت وليد الوحيده
الذى رفض زوجها ان ياتى للقاء اخوها او توديعه
تسمح دمعه من على وجنتها وتقول له
"مش تفتح لخالو الباب"
وتتذكر نوال
اخوها  الذى طالما لعبا سويا وطالما كانت تخفف عنه اهانات والده له
حتى كان اليوم المشئوم
يوم اكتشف والدهم مثليه اخيها
عندما رأه مع امير
فى غرفه وليد الخاصه
لن تنسى نوال ذلك اليوم
ومنظر اخوها وقد كاد ان يموت رعبا
وامير الذى كاد ان يقفز من الشباك
وابوها وقد احمر وجهه
وانهال على كلاهما ضربا
حتى كادا ان يموتا من الالم
ونزل بامير وذهب به لابيه ليخبره بان ابنه مثلى
ويستغل وليد الفرصه
ويهرب
ولا يعود
مر على هذا اليوم 5 سنوات وقد تخرج خلالها وليد وعمل وتفوق وسافر
لعل حياه خاله الاوروبيه التى تسمح بكل شيئ هى السبب
فبعده عن ارهاب والده ساعده فى ان ينجح
"خالو مطلعش ياماما"
قطع ابنها وليد حبل افكارها
"معلش يا دودو هيطلع دلوقتى هو خالو بيحب يتلكع شويه تحت



يقف وليد امام البنايه المقابله لمنزله
تنهمر العبرات من على وجهه
لم يرى امير من سنتان كاملتين
كان اكتشاف والد  وليد الامر ماهو الا الضاره النافعه
فخال وليد رجل عاش فى اوربا
ولم يكن يسال وليد عن شيئ وترك له حريه الاختيار فى كل شيئ
وخصوصا ان والد وليد لم يخبر خاله
بسبب اختلاف وجهات نظرهم
فلم يحكى له كى لا يشمت به
وقال ان وليد مات يوم ان خرج من بابى لبيت خاله الافرنجى
وهكذا عاد وليد وامير
واصبحا اكثر عشقا وغراما
فوالد امير نفى عن ابنه التهمه امام والد وليد
ولكنه ضيق عليه كثيرا
ولكن بعد وليد عن اعين اهل الشارع باسره
اعطى لامير الحريه مع  وليد
ظلا هكذا حتى تخرجا
ونجا كلاهما من الجيش
وظلا هكذا حتى اتى الفراغ
ماقبل الوظيفه
وتعرف وليد على شاب اخر
وزادت علاقه وليد به
بسبب ان امير أستطاع الحصول على عمل وانشغل عن وليد
وعرف امير
واجه وليد بالامر
فلم يستطع الانكار
فذهب امير ولم يعد
لم يحاول وليد ان يصلح الامر بسبب استلامه هو الاخر عمل جديدا
ولكنه لم ينسى ما فعله مع حب عمره الوحيد
وهاهو اليوم امام البنايه
يريد ان يدخل ليسلم عليه
"يا خالو تعالى بئه جدو مش موجود نينه وماما وبس"
يضحك وليد وينظر للخلف الى وليد ابن اخته
ويذهب اليه
ويرفعه الى صدره ويحضنه
ويدخل به الى البيت القديم








عندما تعبر قدماه الباب
يرى الخرزانه الكبيره
بجوار الباب
مصدر الرعب القديم فيتعمد ان ينزلها بيده من الجدار
ويجد امه منتظره واخته نوال
وفى عين كلاهما شوق وحنين
ولكنه يرى نوال كثيرا خارج بيتها
اما امه
فلم يراها من سنين
فيذهب ويقبل يداها
ولم يتمالك نفسه ويقبل قدميها
وتبكى الام
وتبكى نوال كثيرا
وتردد الام فى بكاء شديد
"ربنا يهديك يابنى ربنا يهديك"
وتردد نوال
"خلاص يا جماعه الاكل هيبرد والوقت مش كتير وبابا اكيد جاى كمان شويه"
يشعر وليد بغصه فى حلقه عندما تذكر نوال اسم والدهم
لا يتذكر له الا مشاعر الذل والاهانه والالم
ولم يتذكر انه احبه مره
او قبله مره
ويتناول وليد الطعام
وتدعو له امه كثيرا
ولم تتكلم نوال
وتكلم وليد الصغير بما يكفى الجميع
ببرائته
ووداعته
اعطى للعشاء الاخير طعم جميل
وضحك الجميع على كلام وليد
وهو يسخر من جده
وتدق الساعه التاسعه والنصف
لابد ان ينصرف وليد
يسلم على والدته ويعدها ان يرسل لها ولنوال
وتصمم نوال ان توصله حتى سيارته
ويبقى وليد الصغير مع جدته يمسح دموعها
دموع الوداع والحزن لابن لها لا تعرف اين ستذهب به الايام





"خد بالك من نفسك ولازم تحاول تبعد عن الناس دى يا وليد"
ينظر لها وليد ويقول فى عتاب
"من ساعه مبابا عرف وانت صممتى نتقابل بره وكل مره كنتى تكونى جافه وقاسيه معايا كده    ليه بتعملى كده معايا"
_يمكن لانى خايفه عليك
_او خايفه على منظرك ادام مدحت
_مالوش لزوم يا وليد انته خلاص مسافر ومدحت برضه صاحبك ومشاغله الى منعته انه يجى
_نوال
_نعم
_انتى بتحبينى لسه؟
تبكى نوال وتضعف اما اخيها وتحضنه
تحضن اخيها الصغير
ابنها البكرى كما تعودت ان تقول
فكلاهما لم يشعر بامهم لانها كانت تابعه لابيهم
اما هى وهو فكانا نبع الحب والحنان لبعض
"ابعتلى يا وليد"
_متخافيش يا نؤنؤ
_ياه كنت نسيت  الاسم ده
_انا عمرى منسيته
_ربنا يوفقك
_يارب
_تحب اجى معاك للمطار
_لا مالوش لزوم











يذهب وليد مسرعا بالسياره
يرن هاتفه المحمول
انه كريم
حبيبه
يرد بفتور
_ازيك يا كريم
_ازيك يا حبيبى ...هاه انته فين
_انا فى طريق المطار
_انا مستنيك فى المطار
_مكنش ليه داعى
_لا المره دى ليه الف داعى
_ليه؟
_انا معايا ليك مفاجأه
_خير؟
_متبقاش كده مفاجأه
_طيب سلام
_سلام
ويقفل الخط
لا يعرف لماذا يحاكم كريم على فراقه هو  عن امير
فكريم لم يكن يعرف علاقته بامير
ولم يحاول ان يوصل شيئ لامير
فقط كريم احب وليد
ووليد احب ان يقضى وقت فراغ
لذلك عاقبه كثيرا على فراقه من امير
ولم يعامله كحبيب
فقد خانه كثيرا
ولكن كريم ظل وفى له
ومخلص له ولم يستطع ابدا ان يكون لغيره
ولكن وليد لم يستطع ان يحب كريم
ولا استطاع ان يسامح نفسه
ولا استطاع ان يستعيد امير
ولا ان يعود لمنزله
فقط استطاع ان يهاجر لكندا
وتنهمر السماء من جديد
ويشغل كريم مساحات الزجاج الامامى
ويشغل الراديو بموسيقى كلاسيك هاديه




يصل امير الى المطار بالسياره ويحمل كاتى معه
هيقابله كريم بلهفه ويدارى دموعه ويحاول ان يحضنه
ولكن امير يتعلل بانه يحمل كاتى
ويسلم كريم مفتاح السياره ومفتاح قفص كاتى
"بيعها وزى متجيب وابعتلى المبلغ وخد بالك من كاتى"
_من عينى يا حبيبى
_عاوز منى حاجه
_اه
_خير يا كيمو
_انته حبتنى يا وليد
_اه طبعا يبنى
_محصلش وانا عارف كده وعمرى متوقعت انك تحبنى
_ده وقت الكلام ده
_اه ده وقته لان انا جايب معايا مفاجأه
_كريم مش وقته انا هتاخر
_امير تعالى يا امير
ينقبض قلب  وليد عندما بسمع كريم ينادى باسم امير
ويكاد ان يكذب عينه وهو يرى امير  يعتدل فى جلسته من احد المقاعد ويتقدم تجاههم
ويتراجع كريم للخلف وقد اخذ كاتى وابتعد تجاه السياره وهو مدرك ان وليد لا يشعر به البته
فنظرات وليد كانت مركزه على  امير
وامير لم يكن يرفع عيناه من الارض
فلا يريد ان ينظر لوليد نظره تدل على مدى حبه له
حبه الذى بسببه لم يستطع اكمال علاقه واحده
وظل بداخله
ولم يستطع ان يتغلب عليه
يقفان  ويسلم كل منهما ع الاخر
سلام فاتر
كان امير يخاف ان تلمس يداه يد وليد فتضعف ويشعر وليد
يحتضن وليد يد امير فى قوه
وكانه يريد ان يقول
وحشتنى
يسحب امير يده بسرعه وقد على وجهه علامات الارتباك
فلقد داهمه الحنين لحبيب عمره
ينظر اليه وليد فى انكار ضعيف وهو يسحب يده من يداه
_امير اتصل بيا وقالى انك مسافر
_لو عاوزنى مسافرش قول
_انا مكنتش عاوز اجى بس هو الح
_اتاخرت ليه؟
_فين
_انته مجتش ليه من سنين
_وانته حاولت؟
_اسف يا امير
_مش وقته مش عاوز اخرك
_لا انا مستعد اتاخر عن كل العالم علشانك
_ربنا يخليك
_بحبك يا امير ومعرفتش احب حد غيرك ولا هحب غيرك
_كريم ابن حلال
_عمرى محبيته
_بس هو بيحبك
_لو كنته بحبه مكنش الح عليك انك تيجى
_انته لسه بتحبنى
يسكت وليد
ولا يعرف ان يقوى عن ذلك
 ويحتضن امير
يحتضنه بقوه
حضن اخير
ويقبل وجنته
وتمنى لو استطاع ان يلثم شفتاه
وان يختضن شفتاه ويذوبا فى شوقهم
الذى امتد لسنوات
ولكنه قدر كل الجاى
ويبكى امير
فلقد انهار
لم يستطع التمثيل اكثر من ذلك










"هتتاخر يا وليد"
يقطع كريم بكلمته الصمت
الصمت الذى كله عتاب وشوق
بين عينان لم تلتقا من سنتين
ويذهب وليد حاملا حقائبه ويودع  امير وكريم
ويذهب
ليسافربل ليهاجر
بل لكى لا يعود
وهو الان
يحس بانه مصر كلها تريده
وان مصر هى بلده
يود لو يستطيع التراجع
ولكن كالعاده يستسلم
ويلوح بيديه وهو بداخل الطائره لامير وكريم
ويبكى
ويبكى..










هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

رائعه جدا

DoD Aly يقول...

اشكر كل الى مروا وعلقوا بس فعلا هو ده حال الدنيا روعتها تكمن فى المها

غريب يقول...

اول زيارة لي لمدونتك وان شاء الله مش الاخيرة

جميلة القصة

DoD Aly يقول...

اهلا بيك يا غريب واتمنى انك تتابعنى وان مدونتى تنال رضاك